الأحد، 17 أكتوبر 2010

عمر جهان ... البحث عن وطن بحجم فضاء الحجرة / حوار . محمد حربى 1995 م

من مجموعة معرض بورترية الحجرة 1994
  1. هل ترى لاغترابك فى مصر دورا ايجابيا فى تطورك عبر المعارض والاحتكاك ام لو انك سافرت لاوروبا كما يفعل المصريون لكان افضل ؟
    الغرب ذلك الهادم البانى بتعبير جاك بيرك ، كانت حضارات الشرق احدى الدعائم الاساسية التى قام عليهاالفن الغربى الحديث وجاء فنانون غربيون الى الشرق هذه الاسطورة التى لاتنطفىْ ، اتوا سياحة ، واستلهاما ، ورؤية .ذهب جوجان الى تايهيتى ، واستلهم بيكاسو الاقنعة الافريقية ، وبول كلى اخذ بمنهج الزخرفة الاسلامية ، فيما تأثر فان جوغ بالفن اليابانى ... الخ اما هجرة الفنانين العرب الى الغرب فهى هجرتان واحدة بالجسد والعقل ، والاخرى يمكن تسميتها هجرة اسلوبية ، والفنانون العرب يذهبون الى اوروبا لاسباب كثيرة قهرية واختيارية . منهم من يذهب طلبا للمعرفة والتزود بالخبرة ، ولنا فى قصة راغب عيّاد ويوسف كامل المثل الانسانى الفيّاض ، حيث قام كل منهما بالعمل فى القاهرة بدلا من زميله المسافر لاْجل اتاحة الوقت والمال. وهناك من يذهب فرارا من جحيم التخلف والسلطة الى فردوس المدنية كما يتراءى لهم ، متخذين من العلاقات المتردية بين البلدان العربية وقد شوهتها حقب من الشعارات السياسية المزدوجة والتى انعكست بالتالى على علاقة الانسان العربى فى بلد ما ، بالانسان العربى فى بلد آخر فصارت علاقة مشوّهة وغير انسانية .
    وبالنسبة للهجرة الفنية ايضا لايخلو الامر من وجود كثير من السلبيات ، فبعض الفنانيين تشدهم الى الغرب جميع انواع الهجرة اسلوبا وسياحة ولكنهم لايحققون شيئا يُذكر ، وينطبق عليهم قول الفنان الايطالى موراندى : ( قد يجوب المرء العالم كله ، ولايرى شيئا ).
    غير ان هناك من الفنانين العرب وقد أقاموا اقامة شبه دائمة فى اوروبا ومع ذلك كانت لهم اسهامات عميقة ومؤثرة فى تطور الفن التشكيلى العربى منهم : بن يسف المغرب واقامة فى اسبانيا / وكمال بلاّطة فلسطين واقام فى امريكا / آدم حنين وجورج البهجورى وأقاما فى فرنسا / ضياء العزاوى العراق واقام فى بريطانيا / عمر أرميص ليبيا واقام فى بريطانيا .
    والاجابة عن سؤالك يتطلب منى الاقرار بوجود فرق كبير بين القاهرة واوروبا مثلا ، لكنه ليس فرق مفاضلة وانا لااعتبر اقامتى بمصر هذه المدة الطويلة اغترابا باى حال من الاحوال ، وليس ثمة مفاضلة عندى بين القاهرة واى عاصمة اوروبية ،فالقاهرة مدينة كبيرة عريقة والاقامة فيها تفتح مجالا للرؤية لايحد رؤية مشحونة بالفنتازيا والتجريب والاندماج مع واقع يمور بالمتناقضات التى تدفع فى جسده حيوية من نوع خاص ، بينما تظل ثوابت الفكر والثقافة تؤكد وترسخ مبدأ الانتفتاح الايجابى على العالم غربا وشرقا / شمالا وجنوبا دونما تفريط فى مقومات الشخصية الوطنية والتى تجدّرت دعائمها على مر التاريخ .
    يشعر الانسان بالبهجة والمعرفة الجذلى كلما فتح عينيه صوب هذا التراث الفنى الكبير والذى لايكفيه عمر واحد للاحاطة بجماليات النحت والتصوير الفرعونيين ، بورتريهات الفيوم ، الزخارف الاسلامية النوعية ، تلك الجماليات المتجدّدة .مخزون مصر من الاثار والاعمال الفنية عبر العصور ، العمارة والمتاحف ،انشطة ثقافية معاصرة معارض لفنانيين كبار مصريين وغير مصرييين ، ومهم بالنسبة لى الاشارة الى هذا الهامش الديمقراطى الذى يتسع شيئا فشيئا ، ويتيح لمثلى ان يشتبك وينتقد السلبيات والمعوقات التى تملاْ اوساط الثقافة والفن لقد مثّل كل هذا الزخم لروحى وعقلى وحسى حيوية متدفقة انعكست فى اسلوبى الفنى وابعدت عنى شبهات النظرة السياحية السطحية ، والاغتراب الزائف .
    _________
    من حوار سابق
    القاهرة 1995م